مؤسسة الشرق الأوسط للنشر العلمي
عادةً ما يتم الرد في غضون خمس دقائق
الملخص
أصبحنا في عصرٍ يحتفي بالتداخُلِ بين العلوم، ويهتمُّ بما يُسمى العلوم البينية أو Interdisciplinary بما تعنيه من الاستفادة من مجالين تجمعهما صفات مشتركة كفيلة بأن تولِّد فرعًا جديدًا من فروع المعرفة. من هنا، ومع نشأة الحاسوب في أواخر الأربعينيات، بوصفه موضوعًا من مواضيع الاهتمام بالعلوم الإنسانية بصفة عامة، والنشاط العقلي للإنسان بصفة خاصة، وبما أن اللغة في الحقيقة هي عبارة عن تجسيد للنشاط الذهني للإنسان، أدَّى ذلك إلى اهتمام الحاسوب -منذ نشأته- باللُّغة، بوصفها مصدرًا من مصادر التوصُّل إلى فكر الإنسان. لقد أعطى ذلك للحاسوب مجالًا واسعًا لدراسة اللغة والتعرُّف عليها ومحاولة تطويعها من أجل استخدامها أداة من أدوات تعزيز انتشاره ودقة نتائجه وموثوقيتها، وذلك من خلال المستويات نفسها المكوِّنة للغة، وهي: المستوى الصوتي (الذي يهتمّ بالصوت المنفرد)، والمستوى الصرفي (الذي يُعنى بالكلمة في حالة انفرادها)، والمستوى التركيبي (الذي يهتمُّ بالجملة النحوية المتكاملة)، والمستوى المعجمي (الذي يركز على الكشف عن الدلالة). ولعل أول ظهور لهذا المجال بصورته المستحدثة كان في مؤتمر أُقيم عام 1965، في معهد ماساتشوستس للعلوم، واهتم بالإضاءة على اللسانيات الحاسوبية، والإشارة إلى كونها «عِلمًا جديدًا تتقاطع فيه اللسانيات مع جهاز صوري تفرزه العلوم المنطقية».( ) وفي عام 1971، طور تيري فينوغراد محركًا بحثيًّا عالج فيه اللغات الطبيعية، بواسطة فهم وتفسير الأوامر المكتوبة عن طريق قواعد بسيطة، وسُمِّي المشروع SHRDLU. ومع ذلك، فلعلنا لا نبالغ إن قلنا إننا نلمح مقدمات لهذا الفرع المعرفي عند عدد من علماء اللغة القدامى؛ فعلم العروض الذي وضع لبناته الخليل ابن أحمد لا يبتعد كثيرًا عن المفهوم الشامل لعلم اللغة الحاسوبي، من حيث هو قواعد صارمة (ولنقل رياضية) تضبط بنية الإيقاع الشعري، حتى استطاع بعض الباحثين في العصر الحديث تطويرها تحت اسم «العروض الرقمي»! بل إن التقليب الذي استخدمه الخليل ابن أحمد نفسه في معجم «العين» (والذي تابعه فيه ابن فارس في معجم «مقاييس اللغة» أيضًا يعكس نظرة ثاقبة لذهنية رياضية، قبل اختراع الحاسوب ذاته. لكن علم اللغة الحاسوبي بصورته المعاصرة لم ينتقل إلينا إلا عام 1971م، حين أُسس مشروع لدراسة الإحصائية للألفاظ، وقد كان مجرد إحصاء عددي لغوي بواسطة الحاسوب، وربما لم تتطور الدراسات اللغوية الحاسوبية في العالم العربي إلا في العقدين الأخيرين؛ بفتح المجال الأكاديمي لها